كسر جدار الدعاية الإسرائيلية- مقاومة بالإنسانية في وجه الإبادة

المؤلف: روبين أندرسون09.28.2025
كسر جدار الدعاية الإسرائيلية- مقاومة بالإنسانية في وجه الإبادة

بينما تصر وسائل الإعلام الأمريكية المهيمنة على تجاهل معاناة الفلسطينيين الذين يرزحون تحت وطأة المساعي الإسرائيلية المحمومة لإتمام عملية التطهير العرقي في شمال غزة، يتصدى المجتمع المدني، والأكاديميون، والمنظمات الحقوقية، والإعلاميون المستقلون، والسياسيون ذوو النفوذ، إلى جانب نظام المحكمة الجنائية الدولية، لإبراز حقيقة الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل، مما أثار موجة عارمة من الاستنكار العالمي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا.

في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، تم إقصاء عوفر كاسيف، النائب الإسرائيلي المعروف بمواقفه المعارضة للصهيونية، من الكنيست مرة أخرى، وذلك إثر خضوعه للتحقيق من قِبل "لجنة الأخلاقيات" بسبب دعمه الصريح لجهود جنوب أفريقيا في رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة.

أدانت اللجنة كاسيف بتهمة "التحريض على سفك دماء جنود إسرائيليين"، وذلك لمجرد وصفه الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال في الضفة الغربية بـ "مناضلي الحرية". لكن التهمة الأخطر التي وُجهت إليه كانت تتمثل في عرقلته لـ "الدعاية الإسرائيلية"؛ حيث ادعت اللجنة أن تصريحاته "تقوض قدرة دولة إسرائيل على مواجهة اتهامات الإبادة الجماعية".

لكن هذه المحاولات اليائسة لإسكات كاسيف أثمرت نتائج عكسية مذهلة. خلال فترة إقصائه الجائر من الكنيست، قام بجولة أوروبية واسعة ألقى خلالها خطابات مؤثرة أمام حشود غفيرة في مكتبة ماركس التذكارية بلندن ودار الضيافة الهندية YMCA، حيث ندد بالإبادة الجماعية في خطابات استقطبت اهتمامًا عالميًا واسع النطاق.

ومع ذلك، لم يكن كاسيف الصوت الوحيد الذي يعمل بلا كلل على تفكيك آلة الدعاية الإسرائيلية التي كانت ذات يوم تتمتع بنفوذ طاغٍ.

في يوم الأربعاء الموافق 4 ديسمبر/كانون الأول، أقامت دار النشر المستقلة OR Books، التي يقع مقرها المتواضع في الجانب الشرقي السفلي من مانهاتن، حفل إطلاق كتاب "إذا كان عليّ أن أموت: شعر ونثر"، وهو عبارة عن مجموعة من الأعمال الشعرية والنثرية للكاتب والمفكر الفلسطيني المرموق رفعت العرعير، الذي اغتالته إسرائيل في غزة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023.

كتبت الروائية الفلسطينية البارعة سوزان أبو الهوى مقدمة آسرة للكتاب، استعرضت فيها أول تواصل لها مع رفعت العرعير، عندما كان يكتب أطروحته الجامعية حول روايتها الشهيرة "الصباح في جنين". ومنذ ذلك الحين، تعززت صداقتهما عبر منصة تويتر (X)، حيث تبادلا الرسائل والنقاشات الفكرية، لكن تلك الرسائل الثمينة ضاعت إلى الأبد عندما تعرض حساب سوزان أبو الهوى للإيقاف الدائم في أوائل عام 2023، إثر حملة شرسة شنها الصهاينة بهدف إسكاتها.

وتروي أبو الهوى أنه بعد مرور عقد من الزمن، ومع تصاعد وتيرة الهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة، طلب منها رفعت العرعير إنشاء حساب جديد على تويتر (X)، قائلًا:

"نحتاج إلى صوتك المجلجل هناك". وعندما أرسلت إليه رابط حسابها الجديد، رد عليها ممازحًا بابتسامة: "أول أربعة متابعين عندك [إيموجي غمزة]".

"لن يتم إسكات سوزان أبو الهوى مجددًا"، هذا ما كتبته بعزيمة وإصرار في مقدمة الكتاب، في تعهد قاطع بعدم السماح لأي قوة في العالم بإخماد صوتها الحر مرة أخرى.

كان إطلاق كتاب "إذا كان عليّ أن أموت" بمثابة إزالة حجر آخر من جدار الدعاية الإسرائيلية الشاهق. فقد استندت الصهيونية دائمًا إلى شيطنة الفلسطينيين، زاعمة أنهم لا يمتلكون فنًا ولا ثقافة ولا كلمات صادقة تعبر عن روحهم الإنسانية النبيلة، لكن هذا الكتاب الجديد فضح تلك المزاعم الباطلة وكشف زيفها. وحقق الكتاب نجاحًا ساحقًا، حيث أعرب الناشر عن قلقه البالغ من نفاد النسخ المطبوعة في وقت قياسي. وسرعان ما تم تصنيفه كواحد من أفضل 50 كتابًا مبيعًا على مستوى العالم.

وفي ميدان آخر، استضاف اتحاد أكسفورد مناظرة حادة حول القضية الفلسطينية، حملت عنوانًا استفزازيًا: "هذا المجلس يؤمن بأن إسرائيل دولة فصل عنصري مسؤولة عن الإبادة الجماعية".

في تلك المناظرة التاريخية، تحدث محمد الكرد، الكاتب والشاعر الفلسطيني الموهوب، وافتتح خطابه بعبارة قوية ومؤثرة: "شخصيًا، لا أعتقد أن هناك مجالًا للنقاش في حضرة لحم محترق"، مشيرًا بأسى إلى البث المباشر لجرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب لحظة بلحظة.

ووصف الكرد الجلوس لمناقشة قضية حساسة مثل الإبادة الجماعية التي تُبث على الهواء مباشرة بأنه عمل متعالٍ وغير إنساني على الإطلاق. وأكد أن الصهيونية "أيديولوجيا تقوم على التفوق العرقي، وعلى القتل المتعمد، وعلى سرقة الأراضي الفلسطينية"، وأعلن بكل صراحة ووضوح: "هذه الحقيقة ليست محل جدال أو نقاش".

وأضاف الكرد: "لا يوجد شيء يمكن أن يفعله الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره ليجعل هؤلاء الناس يتوقفون عن محاولة إبادتنا بوحشية. مشكلتهم المزمنة ليست مع طريقة عيشنا، بل مع وجودنا ذاته".

كما ألقت سوزان أبو الهوى خطابًا مؤثرًا هز القلوب، وقالت فيه: "أنا هنا من أجل التاريخ. أتحدث إلى أجيال لم تولد بعد، وأسجل وقائع هذه الحقبة العجيبة، حيث يُشرّع قصف الشعوب الأصلية العزلاء بكل وقاحة. أنا هنا من أجل جدتيّ الاثنتين اللتين تُوفِيتا وهما تعانيان كلاجئتين معدمتين، بينما يعيش اليهود الأجانب في منازلهما المسروقة ظلماً".

وفي ختام المناظرة الحاسمة، تم التصويت على القرار المصيري، وأُقر بأغلبية ساحقة.

وفي أعقاب المناظرة، ظهر أرسين أوستروفسكي، أحد المدافعين المتحمسين عن إسرائيل، على قناة i24، حيث سخر بتهكم من قرار أكسفورد، قائلًا إنهم "يشجعون حماس تحت ستار الفكر المستنير أو حرية التعبير"، في تأكيد صارخ على العقلية الإسرائيلية التي تسعى دائمًا لإسكات كل صوت معارض ورأي مخالف.

لكن تراكم الأدلة الدامغة جعل الموقف الإسرائيلي أكثر ضعفًا وهشاشة من أي وقت مضى. فقد قدمت دولة جنوب أفريقيا الشجاعة دعوى قضائية ضخمة تتألف من 750 صفحة إلى محكمة العدل الدولية. كما أصدرت منظمة العفو الدولية المرموقة تقريرًا مفصلاً من 300 صفحة يوضح بشكل لا لبس فيه أن السلطات الإسرائيلية ارتكبت ولا تزال ترتكب إبادة جماعية مروعة ضد الفلسطينيين في غزة.

وتستند هذه الأدلة القاطعة إلى مقاطع فيديو مروعة صورها جنود إسرائيليون بأنفسهم، حيث تُظهر أفعالهم الشنيعة بوضوح جلي، وهي مقاطع شاهدها العالم أجمع بذهول، بينما تجاهلتها وسائل الإعلام الغربية الكبرى وحكوماتها المتواطئة بشكل مخز.

وأشار المفكر الفلسطيني البارز رمزي بارود إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، مما يُعد خطوة جديدة وهامة نحو محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين على جرائمهم البشعة.

لقد أصبحت إسرائيل في مواجهة تيار جارف لا يمكن إيقافه أو قمعه.

هناك تحول جذري واضح في الطريقة التي يرى بها العالم هذا النظام الإبادي. لم تعد الدعاية الإسرائيلية المضللة قادرة على السيطرة على السرد وتزييف الحقائق، ولا يمكن لبروباغندا إسرائيل أن تتجنب المساءلة عن محاولاتها الدنيئة للقضاء على الشعب الفلسطيني الصامد في غزة.

ومع ذلك، فإن الصحفيين الفلسطينيين الشجعان، الذين قُتل الكثير منهم بدم بارد، ما زالوا يوصلون رواية الإبادة الجماعية إلى العالم أجمع.

اليوم، أثرت أفعال إسرائيل الشائنة بشكل كبير على الرأي العام الأميركي، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الموثوقة أن أغلبية ساحقة من الأميركيين يريدون وقف مبيعات الأسلحة الفتاكة لإسرائيل، وخاصة بين الأجيال الشابة الواعية.

وبعد الانتخابات الأميركية الأخيرة، كان الشباب المؤيدون لفلسطين الحرة يهتفون بحماس في مبنى مجلس الشيوخ الأميركي، مطالبين بوقف حزمة أسلحة ضخمة بقيمة 20 مليار دولار لإسرائيل. وعلى الرغم من أن الحزمة لم تُلغَ بشكل كامل، فإن 19 سيناتورًا أميركيًا جريئًا صوتوا لصالح وقف شحنات الأسلحة، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الكونغرس الأميركي.

في النهاية، فإن إرث رفعت العرعير الخالد، المعلم الملهم الذي كان يُرى دائمًا وهو يحمل كتابًا ويتحدث بحماس مع الشباب عن أهمية الكتابة، لا يزال حيًا ينبض في قلوب الملايين.

لقد انهارت أسطورة "رمز الحضارة في الشرق الأوسط" الزائفة التي حاولت إسرائيل جاهدة تصديرها إلى العالم. لا توجد "زر إعادة ضبط" سحري لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء.

المقاومة مستمرة بكل قوة بالكلمة الصادقة، وبالفن الراقي، وبالإنسانية جمعاء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة